فصل: ومن باب في تزويج الصغار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب من تزوج ولم يفرض لها صداقًا ومات عنها:

قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، قال: حَدَّثنا يزيد بن زريع، قال: حَدَّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس وأبي حسان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود «أن عبد الله بن مسعود أتى في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق فاختلفوا إليه شهرًا أو قال مرات؛ قال فإني أقول فيها إن لها صداقا كصداق نسائها لا وكس ولا شطط وإن لها الميراث وعليها العدة فإن يكن صوابًا فمن الله عز وجل، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان. والله ورسوله بريئان، فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا يا ابن مسعود نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاها فينا في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود فرحًا شديدًا».
قال الشيخ قوله: «لا وكس ولا شطط» الوكس، النقصان والشطط العدوان وهو الزيادة على قدر الحق، يقال أشط الرجل في الحكم إذا تعدى الحق وجاوزه قال الشاعر:
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي ** فيزعمن أن أودي بحقي باطل

وفيه من الفقه جواز الاجتهاد في الحوادث من الأحكام فيما لم يوجد فيه نص مع إمكان أن يكون فيها نص وتوقيف.
وقوله: «فإن يكن صوابًا فمن الله» أي من توفيق الله وإن يكن خطأ فمني ومن تسويل الشيطان وتلبيسه على وجه الحق فيه.
وقوله: «والله ورسوله بريئان» يريد أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يتركا شيئًا لم يبينّاه في الكتاب أو في السنة ولم يرشدا إلى صواب الحق فيه إما نصًا وإما دلالة فهما بريئان من أن يضاف إليهما الخطأ الذي يؤتي المرء فيه من جهة عجزه وتقصيره.
وفيه بيان أن المفوضة إذا مات عنها زوجها قبل الدخول بها كان لها مهر المثل وإليه ذهب أصحاب الرأي وهو أصح قولين للشافعي فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة ولها نصف مهر، واعتبر الشافعي مهر المثل بنساء عصبتها أختها وعمتها وبنات أعمامها وليست أمها ولا خالتها من نسائها.

.ومن باب في تزويج الصغار:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وأبو كامل قالا: حَدَّثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع سنين، قال سليمان أو ست ودخل بي وأنا بنت تسع».
قال الشيخ في هذا دلالة على أن البكر التي أمر باستئذانها في النكاح إنما هي البالغ دون الصغيرة التي لم تبلغ لأنه لا معنى لإذن من لم تكن بالغًا ولا اعتبار برضاها ولا بسخطها.
وكان أحمد بن حنبل يجعل هذا حدًا في تزويج الأبكار لغير الآباء والأجداد ويقول لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين فإذا بلغت تسع سنين فرضيت فلا خيار لها.
قال الشيخ ولعله قد بلغه أن نساء العرب أو أكثرهن يدركن إذا بلغن هذا السن والله أعلم.

.ومن باب المقام عند البكر:

قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب قال: حدثني يحيى عن سفيان قال: حدثني محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن أم سلمة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا، ثم قال ليس لك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي».
قال الشيخ اختلف العلماء في تأويل ذلك، فقال بعضهم الثلاث تخصيص للثيب لا يحتسب بها عليها ويستأنف القسم فيما يستقبل، وكذلك السبع للبكر وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روي ذلك عن الشعبي.
وقال أصحاب الرأي البكر والثيب في القسم سواء وهو قول الحكم وحماد. وقال الأوزاعي إذا تزوج البكر على الثيب مكث ثلاثا وإذا تزوج الثيب على البكر يمكث يومين.
قال الشيخ السبع في البكر والثلاث في الثيب حق العقد خصوصًا لا يحاسبان على ذلك ولكن يكون لهما عفوًا بلا قصاص.
وقوله: «إن شئت سبعت لك»، وإن سبعت لك سبعت لنسائي ليس فيه دليل على سقوط حقها الواجب لها إذا لم يسبع لها وهو الثلاث التي هي بمعنى التسويغ لها ولو كان ذلك بمعنى التبدئة ثم يحاسب عليها لم يكن للتخيير معنى لأن الإنسان لا يخير بين جميع الحق وبين بعضه فدل على أنه بمعنى التخصيص.
قال الشيخ ويشبه أن يكون هذا من المعروف الذي أمر الله تعالى به في قوله: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19] وذلك أن البكر لما فيها من الخفر والحياء تحتاج إلى فضل إمهال وصبر وحسن تأن ورفق ليتوصل الزوج إلى الأرب منها، والثيب قد جربت الأزواج وارتاضت بصحبة الرجال فالحاجة إلى ذلك في أمرها أقل إلاّ أنها تخص بالثلاث تكرمة لها وتأسيسًا للألفة فيما بينه وبينها والله أعلم.

.ومن باب الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقد:

قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الطالقاني، قال: حَدَّثنا عبدة، قال: حَدَّثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال: «لما تزوج عليٌ فاطمة رضي الله عنهما، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطها شيئًا، قال ما عندي شيء، قال أين درعك الحُطمية».
قال الشيخ الحطمية منسوبة إلى حطمة بطن من عبد القيس كانوا يعملون الدروع. ويقال إنها الدرع السابغة التي تحطم السلاح.
وقد اختلف الناس في الدخول قبل أن يعطي من المهر شيئًا فكان ابن عمر يقول لا يحل لمسلم أن يدخل على امرأته حتى يقدم إليها حقل أو كثر.
وروي عن ابن عباس الكراهية في ذلك وكذلك عن قتادة والزهري.
وقال مالك بن أنس لا يدخل حتى يقدم شيئًا من صداقها أدناه ربع دينار أو ثلاثة دراهم سواء فرض لها أو لم يكن فرض.
وكان الشافعي يقول في القديم إن لم يسم لها مهرًا كرهت أن يطأها قبل أن يسمي أو يعطيها شيئًا، وقول سفيان الثوري قريب من هذا ورخص في ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي وهو قول أحمد وإسحاق.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن معمر، قال: حَدَّثنا محمد بن بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته».
قال الشيخ وهذا يتأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى المهر، وقد اختلف الناس في وجوبه فقال سفيان الثوري ومالك بن أنس في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها كذا وكذا شيئًا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب وكذلك روي عن عطاء وطاوس، وقال أحمد هو للأب ولا يكون ذلك لغيره من الأولياء لأن يد الأب مبسوطة في مال الولد.
وروي عن علي بن الحسين أنه زوج ابنته رجلًا واشترط لنفسه مالًا، وعن مسروق أنه زوج ابنته رجلًا واشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين.
وقال الشافعي إذا فعل ذلك فلها مهر المثل ولا شيء للولي.

.ومن باب ما يقال للمتزوج:

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حَدَّثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل عن أبيه، عَن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير».
قال الشيخ قوله: «رفأ» يريد هنأه ودعا له وكان من عادتهم أن يقولوا بالرفاء والبنين وأصله من الرفء وهو على معنيين أحدهما التسكين؛ يقال رفوت الرجل إذا سكنت ما به من روع قال الشاعر:
رفوني وقالوا يا خويلد لم تُرع ** فقلت وأنكرت الوجوه هم هم

والآخر أن يكون بمعنى الموافقة والملائمة ومنه رفوت الثوب، وفيه لغتان يقال رفوت الثوب ورفأته وأنشد أبو زيد:
عمامة غير جد واسعة ** أخيطها تارة وأرفأها

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين.

.ومن باب من تزوج امرأة فوجدها حبلى:

قال أبو داود: حدثنا مخلد بن خالد والحسن بن علي وابن أبي السري العسقلاني المعنى قالوا أخبرنا عبد الرزاق، قال: حَدَّثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار قال ابن أبي السري من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل من الأنصار ثم اتفقوا يقال له بصرة، قال: «تزوجت امرأة بكرًا في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها والولد عبد لك فإذا ولدت فاجلدوها أو قال فحدوها».
قال أبو داود: روى هذا الحديث قتادة عن سعيد بن يزيد عن ابن المسيب ويحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن ابن المسيب وعطاء الخراساني عن ابن المسيب أرسلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ هذا الحديث لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به وهو مرسل ولا أعلم أحدًا من العلماء اختلف في أن ولد الزنا حر إذا كان من حرة فكيف يستعبده ويشبه أن يكون معناه أن ثبت الخبر أنه أوصاه به خيرًا أو أمره باصطناعه وتربيته واقتنائه لينتفع بخدمته إذا بلغ فيكون كالعبد له في الطاعة مكافأة له على إحسانه وجزاء لمعروفه.
وفيه حجة إن ثبت الحديث لمن رأى الحمل من الفجور يمنع عقد النكاح وهو قول سفيان الثوري وأبي يوسف وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن النكاح جائز وهو قول الشافعي والوطء على مذهبه مكروه ولا عدة عليها في قول أبي يوسف وكذلك عند الشافعي.
قال الشيخ ويشبه أن يكون إنما جعل لها صداق المثل دون المسمى لأن في هذا الحديث من رواية زيد بن نعيم عن ابن المسيب أنه فرق بينهما ولو كان النكاح وقع صحيحًا لم يجب التفريق لأن حدوث الزنا بالمنكوحة لا يفسخ النكاح ولا يوجب للزوج الخيار. ويحتمل أن يكون الحديث إن كان له أصل منسوخا والله أعلم.

.ومن باب في القسم بين النساء:

قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حَدَّثنا همام، قال: حَدَّثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عَن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل».
قال الشيخ في هذا دلالة على توكيد وجوب القسم بين الضرائر الحرائر وإنما المكروه من الميل هو ميل العشرة الذي يكون معه بخس الحق دون ميل القلوب فإن القلوب لا تملك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القسم بين نسائه ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك» وفي هذا نزل قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} [النساء: 129].
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حَدَّثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة».
قال الشيخ فيه إثبات القرعة وفيه أن القسم قد يكون بالنهار كما يكون بالليل وفيه أن الهبة قد تجري في حقوق عشرة الزوجية كما تجري في حقوق الأموال.
واتفق أكثر أهل العلم على أن المرأة التي تخرج بها في السفر لا يحسب عليها بتلك المدة للبواقي ولا تقاص بما فاتهن في أيام الغيبة إذا كان خروجها بقرعة.
وزعم بعض أهل العلم أن عليه أن يوفي للبواقي ما فاتهن أيام غيبته حتى يساوينها في الحظ. والقول الأول أولى لاجتماع عامة أهل العلم عليه، ولأنها إنما أرفقت بزيادة الحظ بما يلحقها من مشقة السفر وتعب السير والقواعد خليات من ذلك فلو سوى بينها وبينهن لكان في ذلك العدول عن الإنصاف والله أعلم.

.ومن باب الرجل يتزوج امرأة ويشرط لها دارها:

قال أبو داود: حدثنا عيسى بن حماد المصري، قال: حَدَّثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي الخير عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج».
قال الشيخ كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يريان أن من تزوج امرأة على أن لا يخرجها من دارها أو لا يخرج بها إلى البلد أو ما أشبه ذلك أن عليه الوفاء بذلك وهو قول الأوزاعى وقد روي معناه عن عمر رضي الله عنه.
وقال سفيان وأصحاب الرأي إن شاء ينقلها عن دارها كان له؛ وكذلك قال الشافعي ومالك، وقال النخعي كل شرط في نكاح فإن النكاح يهدمه إلاّ الطلاق وهو مذهب عطاء والشعبي والزهري وقتادة وابن المسيب والحسن وابن سيرين قال وتأويل الحديث على مذهب هؤلاء أن يكون ما يشترطه من ذلك خاصًا في المهر والحقوق الواجبة التي هي مقتضى العقد دون غيرها مما لا يقتضيه والله أعلم.

.ومن باب في ضرب النساء:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حَدَّثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذئِرن النساء على أزواجهن فرخص في ضربهن فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال صلى الله عليه وسلم: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم».
قوله: ذئرن معناه سوء الخلق والجرأة على الأزواج والذائر المغتاظ على خصمه المستعد للشر، ويقال اذرأت الرجل بالشر إذا أغريته به فيكون معناه على هذا أنهن أغرين بأزواجهن واستخففن بحقوقهم.
وفي الحديث من الفقه أن ضرب النساء في منع حقوق النكاح مباح إلاّ أنه ضرب غير مبرح.
وفيه بيان أن الصبر على سوء أخلاقهن والتجافي عما يكون منهن أفضل.